
انهارت الحكومة الهولندية بعد أشهر بسبب مزايدات حزب الحرية اليميني المتطرف على إثر سجال حول تشديد سياسات الهجرة. لكن الأمر لم يتوقف هنا، بل إن مجموعة من المواطنين قررت أن تتخذ إجراءات ضد تدفق المهاجرين دون انتظار حلول الدولة. فكيف يشجع اليمين المواطن على خرق القوانين؟
كانوا 12 مواطنًا هولنديا، رأوا أن سياسة الحكومة الهولندية بشأن اللجوء ليست صارمة بما يكفي، أجروا عمليات تفتيش سيارات بشكل شخصي على الحدود الألمانية. أوقف هؤلاء الأشخاص مساء السبت 7 يونيو/ حزيران 2025، وكانوا يرتدون سترات ويحملون مصابيح يدوية، سيارات على الطريق السريع الفيدرالي 408، الممتد من هارين في ساكسونيا السفلى في اتجاه مركز الاستقبال المركزي للاجئين في تير آبل، بهولندا.
وقد أظهرت بعض لقطات الفيديو عمليات التفتيش غير المُصرّح بها. ووفقًا لتقارير إعلامية من بينها ما نقلته صحيفة تسايت الألمانية، كانت هناك دعوات لتجديد عمليات التفتيش على الحدود على وسائل التواصل الاجتماعي مساء الأحد الماضي.
من جهته، حثّ القائم بأعمال وزير الهجرة ديفيد فان ويل مواطنيه الهولنديين على الحدود، مساء الأحد، على عدم اتخاذ أي إجراء بأنفسهم. وقال: “يجب الحد من تدفق طالبي اللجوء، ولهذا السبب ندعو إلى قوانين لجوء أكثر صرامةً ورقابة حدودية أفضل”. وأضاف فان ويل: “الإحباط مفهوم، لكن لا تطبقوا القانون بأيديكم، دعوا الشرطة وشرطة الحدود تقوم بعملها، والتزموا بالقانون“.
بالنسبة للخبير في شؤون الهجرة واللجوء والسياسات الأوروبية حسن حسين فإن “شرع اليد” أمر مرفوض تماما لأنه سيسبب الفوضى في كل مرافق الدولة والمجتمع، حسب تعبيره. وأضاف المتحدث أن: “المواطن الأوروبي عموما، تَعَوَدَ على الهدوء والتراتبية في تسيير الأمور، صحيح أن هناك أزمات حقيقية داخل المجتمع، لكن يجب تناولها بالطرق القانونية والآليات الديمقراطية داخل البرلمان ومناقشتها والاتفاق على حلول لها وعدم تهميش أي مجموعة“.
وأبرز المتحدث أن “اليمين المتطرف لا يريد ذلك، بل هدفه الحصول على أغلبية داخل المجتمعات، وهذا أمر صعب جدا”، مشددا في الوقت ذاته على أن “ما حدث في هولندا هي ظاهرة هامشية وليس لها أي مدلول، لكن دون تحرك لتغيير الأوضاع لا ندري ما الذي يمكن أن يحدث مستقبلا“.
حينما يُذكر اسم خِيرت فيلدرز، السياسي الشعبوي اليميني، تقفز إلى ذهن المواطنين سياسة العرقلة للكثير من محاولات إصلاح الأوضاع عبر تفاهمات بين الأحزاب التي تشكل الائتلاف الحاكم. وحول هذه الحادثة، قال فيلدرز المنسحب حديثا رفقة حزبه من الحكومة الهولندية، إنها “مبادرة رائعة“.
ولم يتوقف الأمر عند الإشادة، بل طالب السياسي اليميني المتطرف بأن “يتم تعميمها في كل مكان على الحدود”. وقال في هذا السياق: “إذا لم ينشر رئيس الوزراء الجيش فورًا لفرض الرقابة، علينا أن نقوم بذلك بأنفسنا”. كما أعرب عن رغبته في المشاركة في عملية التفتيش الحدودية القادمة.
بينما تتخذ السلطات إجراءات مخففة حول الأمر إلى الآن، فقد توقفت ردود الفعل عند تحذير الشرطة الهولندية وبلدية ويسترولد الحدودية من للسكان من إيقاف السيارات، وشددت على أن “الشرطة وحدها هي المخولة بذلك”. وقال مسؤولون عن الجهتين في بيان مشترك: “مثل هذه الأفعال تخلق مواقف بالغة الخطورة على الطريق“.
شارك في العملية اثني عشر رجلا هولنديا أعربوا عن استيائهم من عبور طالبي اللجوء الحدود إلى هولندا دون عوائق. ونقلت صحيفة دي غيلدرلاندر عن أحد المشاركين قوله: “لا شيء يتغير، إذن سنتولى الأمر بأنفسنا“.
وبالنسبة للخبير حسن حسين فإن “هذه الحوادث لن تضعف الدولة، فهي ليست سوى محاولات يائسة من قبل المتطرفين لإضعاف الديمقراطية الليبرالية، على أمل أن يشكلوا وفق مفهومهم دولة أوتقراطية متشددة غير قانونية، وهذا أمر صعب جدا حدوثه في أوروبا في المستقبل القريب“.
ولكن إذا لم يتم حل مشكلة اللجوء والهجرة غير القانونية إلى أوروبا حسب المتحدث في حواره مع مهاجر نيوز، فـ “يمكن لليمين المتطرف أن ينتصر في انتخابات قادمة وهذا سيشكل مشكلة كبيرة جدا“.
وأشار حسن حسين، المتخصص في الشأن الأوروبي، إلى أن “موازين القوى في كل المجتمعات الأوروبية حاليا، مازالت لصالح الديمقراطية الليبرالية. أما اليمين المتطرف فلا يشكل سوى ربع القوى من الناخبين في هذه الدول، هذه النسبة يجب ألا ترتفع ولا تصل إلى النصف أو الثلثين من أصوات الناخبين، حتى لا يتم تغيير الدساتير لصالحهم هذه الأمور التي لم تحصل بعد، ولكن الخطر الذي يهدد الديمقراطية الأوروبية صار كبيرا بسببها“.
انهارت الحكومة الهولندية يوم الثلاثاء المنصرم في خلاف حول سياسة لجوء أكثر صرامة، وأعلن فيلدرز انسحاب حزبه من الائتلاف المكون من أربعة أحزاب، وكان حزبه هو الأقوى فيه. وأشار إلى عدم رغبة شركاء الائتلاف الآخرين في تلبية مطالبه باتخاذ موقف صارم بشأن سياسة اللجوء.
وسيغادر الوزراء المنتمون لـ”حزب الحرية” بزعامة فيلدرز الحكومة، بينما سيستمر الآخرون في الوقت الحالي بوصفهم وزراء حكومة تسيير أعمال حتى يتم تنظيم انتخابات جديدة.
وطالب فيلدرز الأسبوع الماضي شركاءه في الائتلاف بالتوقيع على خطة من 10 نقاط تهدف إلى خفض الهجرة جذريا، بما في ذلك استخدام الجيش لحراسة الحدود البرية ورفض جميع طالبي اللجوء. وقال آنذاك إنه إذا لم تشدد سياسة الهجرة، فإن حزبه “سينسحب من الحكومة”، ليتخذ بعد هذا القرار موقف المشجع على ما اقترفه مواطنون، يتماشى مع ما يطالب به.
بالنسبة لحسن حسين، فإنه “رغم الحادثة، فرؤية المواطن للدولة في أوروبا لم تتغير واحترامها ما زال قائما، ولكن سلطة الدولة الليبرالية تبدو ضعيفة وعليها أن تقوم بتقوية مواقعها“. وأنهى المتحدث كلامه بالتأكيد على أن “هناك أغلبية داخل كل المجتمعات الأوروبية، تحترم الدولة وسلطاتها، وهذا النظام أثبت فعاليه على مدى 80 عاما بعد الحرب العالمية الثانية إلى الآن“.
وأوضح المتحدث أنه “حتى داخل اليمين المتطرف هناك إشكالية في فهم الدولة، فهم يريدون دولة ديمقراطية ولكن على مقاسهم، دون السماح لباقي المجتمعات المختلفة داخل الدولة بالمشاركة“.
ميرتس يستبعد أن تشهد ألمانيا ما حدث في هولندالكن ألمانيا لا تتوقع أن يبادر مواطنون إلى القيام بعمليات تفتيش على الحدود كما حصل في هولندا، فقد صرح المستشار الألماني فريدريش ميرتس، بأنه لا يرى أي مؤشرات تدل على احتمال قيام مواطنين في ألمانيا بتنفيذ عمليات تفتيش بأنفسهم عند الحدود، كما حدث في بعض المناطق في هولندا مؤخرا.
وبعد لقائه مع رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف، قال ميرتس في برلين الثلاثاء (10 مايو/ أيار 2025) ردا على سؤال للصحافيين: “لا أخشى من ذلك”. وأضاف بالقول: “إذا أقدم أحد في ألمانيا على مثل هذا الفعل، فسيكون ذلك غير قانوني، وأفترض أن السلطات المختصة (…) ستقوم بمنع مثل هذا التصرف على الفور“.